recent
أخبار ساخنة

ليلى الدسوقى :السيطرة الاثيوبية على منابع النيل ! حلم زائف (7)

إيجي تريند
الصفحة الرئيسية

 

ليلى الدسوقى


بقلم : ليلى الدسوقى

المشهد السابع : الهيمنة الاقليمية الهيدروبوليتيكية 

تسعى اثيوبيا الى تغيير معادلة التوازن الهيدروبوليتيكى و الهيدرواستراتيجى فى النظام الاقليمى المائى لحوض النيل و ذلك من خلال سياساتها المائية فى حوض النيل خلال المرحلة الراهنة و التى تجعل من نفسها المبادر او الطرف الفاعل اى من يقوم بالفعل و الاخرون هم المفعول به او من يقومون برد الفعل فى معادلة التوازن الهيدروبوليتيكى و الهيدرواستراتيجى الجديدة فى النظام الاقليمى المائى لحوض النيل فاثيوبيا هى التى تحدد المخاطر التى تحدق بالنظام المائى فى نهر النيل و هى التى تقرر و فى التوقيت الذى يحلو لها انشاء السدود الاثيوبية و هى التى ترمى دولة المصب ( مصر ) بتهم من قبيل : " الرغبة فى التحريض لحرب المياه " و اثارة الوضع فى اريتريا ضد الداخل الاثيوبى كما ان اثيوبيا هى ايضا التى تقرر بمفردها و فى الوقت الذى تريده ان المصالح المصرية سوف لن تضار من جراء انشاء السدود الاثيوبية بعبارة اخرى تريد اثيوبيا ان تؤسس لنفسها واقعا جديدا تضطلع من خلاله بدور الفاعل الاقليمى او المهيمن الاقليمى على النظام الاقليمى لحوض النيل 

و لتاسيس هذا الواقع الجديد الذى يحقق لها الهيمنة الاقليمية الهيدروبوليتيكية تطلق اثيوبيا عددا من المزاعم و الادعاؤات المتكررة حيث تدعى اثيوبيا بان مصر و السودان تحصلان على 90% من اجمالى مياه النهر و تطالب بالتوزيع المتساوى لمياه النهر 

و فى المقابل ترد مصر على ذلك الادعاء بالتوكيد على مبدا الانتفاع العادل و المنصف لموارد النهر فاجمالى موارد مياه الامطار على المنابع اكثر من 1660 مليار متر مكعب فى السنة تحصل مصر و السودان منها على 84 مليارا فقط اى نسبة 5 % بينما تستفيد اثيوبيا و غيرها من دول المنابع النيلية بالمياه الخضراء فى صورة الامطار التى تخزن لهم المياه الجوفية و تنمى المراعى الطبيعية حيث يهبط على اثيوبيا سنويا امطار تقدر بحوالى 900 مليار م3 منها 590 م3 فى مناطق اثيوبية واقعة فى حوض النيل ووفق مفهوم المياه الافتراضية (هو مفهوم حديث نسبيًا فقد ظهر في منتصف التسعينيات، ويعتبر " توني ألن " استاذ الجغرافيا السياسية بقسم الجغرافيا بكلية الدراسات الشرقية و الافريقية بجامعة لندن هو أول من دش هذا المفهوم, وقد عرف " توني ألن " المياه الافتراضية بأنها: المياه المستخدمة في أماكن أخرى لإنتاج الأغذية التي يتم تصديرها إلى مناطق الشح المائي ، وقد طرح ألن هذا المفهوم بهدف حل مشكلة محدودية الموارد المائية في المناطق الجافة وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط حيث يرى أنه: " بما أن المياه من المتغيرات المهمة في إنتاج المحاصيل, لذا ينبغي على مختلف البلدان تحديد كمية المياة اللازمة لإنتاج الأغذية التي هي بحاجة إليها, وعندما يستورد بلد ما طنًا من القمح والذرة, إنما يستورد فعليًا أيضًا مياهًا افتراضية أي المياه اللازمة لإنتاج تلك المحاصيل و يؤكد " توني ألن " : ان المياه الافتراضية يمكن ان تسهم فى حل مشكلة الندرة المائية فى بلدان الشرق الاوسط حيث يمكن للدول التى تعانى من شح مائي أن تستعيض عن زراعة المحاصيل الكثيفة في استخدام المياه، باستيرادها من الدول ذات الوفرة المائية، وبهذه الطريقة تحقق البلدان المستوردة وفرات من خلال تجارة المياه الافتراضية، ويشير ألن إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتمد الآن اعتمادًا كبيرًا على المياه الافتراضية لتغذية سكانها المتزايد عددهم بسرعة، فقد ازدادت واردات الحبوب والدقيق من سبعة ملايين طن في السنة في أوائل السبعينيات إلى أكثر من أربعين طنًا في أواسط الثمانينيات، وهذا الحجم الكبير من الأغذية المستوردة سيعادل 20% تقريبًا من استخدام المنطقة لإجمالي المياه العذبة، لذلك يعد هذا من أهم أسباب ظهور هذا المفهوم

تدعى اثيوبيا ان الجفاف يهدد ربع اراضيها فى حين ياكل الجفاف 95% من مساحة مصر و يجعلها صحارى و فى المقابل تزخر اراضى اثيوبيا بحوالى 16 حوض نهرى تجعل مواردها من المياه السطحية المائية الاثيوبية الرسمية الصادرة عن وزارة الموارد المائية فى اثيوبيا بينما لا تزيد تلك المياه السطحية فى مصر عن 55.5 مليار متر مكعب و تعد اثيوبيا من الدول المنتجة للبن و هو يحتاج مياه كثيرة فى زراعته و ايضا من الدول الاولى فى تربية الابقار و هى من الحيوانات شرهت المياه

كما تدعى اثيوبيا بحقها فى الحصول على حصص مائية مساوية لتلك التى تحصل عليها مصر من منطلق ان عدد سكانها يماثل عدد سكان مصر بيد ان هذا القول مغلوط فمصر هى الدولة الوحيدة من بين دول حوض النيل التى يعيش كل شعبها تقريبا ( 96% من المصريين ) فى زمام حوض النيل و من ثم فان درجة اعتمادها على مياه النيل تكاد تكون مطلقة و فى المقابل لا يعيش سوى 39.5 % من الاثيوبيين فى حوض النيل و الباقى يعيشون فى احواض نهرية اخرى داخل اثيوبيا و حتى اولئك الذين يقطنون منطقة حوض النيل من الاثيوبيين فان لديهم مصادر مائية اخرى تؤمن احتياجاتهم المائية بجانب نهر النيل

و من ناحية اخرى تؤكد مصر فى ردها على المزاعم و الادعاءات الاثيوبية انها لا تقف ضد التنمية فى اى دولة من دول الحوض بما فى ذلك اثيوبيا فلم تقف من قبل امام سد تيكيزى الاثيوبى و الذى تم بناؤه فى عام 2009 بسعة 9 مليار م3 و لم تعترض مصر على مشروع تانا بليسه لتوليد الكهرباء فى اثيوبيا و الذى تم تشييده عام 2010 و ذلك لمحدودية تاثيرهما على مصر 

و لذلك فان اثيوبيا تجيد توظيف السياقين الدولى و الاقليمى لصالحها لتحقيق اهدافها الاستراتيجية 

فعلى الصعيد الدولى توظف اثيوبيا حالة التعارض فى المصالح الاستراتيجية افريقيا بين مصر من ناحية و القطب العالمى الراهن ( الولايات المتحدة ) من ناحية ثانية و لاسيما فى ظل السعى الامريكى للهيمنة الجيوستراتيجية على القارة الافريقية من خلال تمكين بعض القوى الاقليمية ( اسرائيل و اثيوبيا ) من لعب ادوار اقليمية فاعلة و محورية تمهد للنفوذ  الامريكى و فى هذا السياق نجحت اثيوبيا خلال العقدين الفائتين ( فترة حكم ميليس زيناوى ) فى تقديم نفسها للولايات المتحدة بوصفها الفاعل الاقليمى الذى يمكن ان يكون الحليف المحتمل ( او راعى المصالح الامريكية الجديد ) فى منطقة القرن الافريقى و شرق افريقيا و هو ما يتعارض بالتبعية مع المصالح المصرية و يعمل على شد اطراف الدولة المصرية فى نطاق محيطها النيلى خاصة مع عدم وجود علاقة استراتيجية قوية بين مصر و اى من القوى العالمية الكبرى فى النظام العالمى الراهن يمكن توظيفها مصريا فى المناورة السياسية مع الولايات المتحدة 

اما على الستوى الاقليمى نجحت اثيوبيا الى حد كبير فى اقامة ما يمكن تسميته بالعلاقات الخاصة مع اسرائيل و من ثم توظيف الهيمنة الاسرائيلية بمعاونة امريكية على منطقة الشرق الاوسط مستغلة حالة تبعثر الاهتمام المصرى بين ملفات الداخل و الخارج لتضيف المزيد من التبعات و التداعيات السلبية على معادلة التفاعل الهيدروبوليتيكى فى حوض النيل 

ان تحليل السلوك الهيدروبوليتيكى لاثيوبيا حيال سد النهضة على نحو ما تم عرضه انفا يؤكد صحة الفرض الذى انطلقت منه الدراسة و الذى يفترض وجود علاقة  ارتباطية موجبة بين التعنت الاثيوبى و الاصرار على بناء سد النهضة بالمواصفات الراهنة و من ثم تمكين اثيوبيا من السيطرة السياسية على نظام نهر النيل على مصر و بالتبعية الاضرار بلامن القومى و المائى المصرى 


google-playkhamsatmostaqltradent